«كوني 2012»: عندما يخلق الجمهور القضية والعلاج على «يوتيوب» !

من قسم شؤون إعلامية
الثلاثاء 20 مارس 2012|

استطاع الفيلم الوثائقي القصير “كوني 2012” أن يحصل الأسبوع الماضي على لقب “الفيديو الأسرع انتشارا في التاريخ” وذلك _ حسب دراسة أمريكية _ لأنه وصل إلى 100 مليون مشاهدة خلال ستة أيام فقط “يليه مقطع سوزان بويل الذي حقق 100 مليون مشاهدة في 9 أيام”.

بالرغم من هذا الانتشار الساحق، وبالرغم من الهدف النبيل الواضح الذي يحمله الفيلم والذي يتحدث – في 30 دقيقة – عن مأساة الأطفال الذين تم اختطافهم وتجنيدهم في “جيش الرب” الذي يقوده قائد الميليشيات الأوغندي جوزيف كوني، ويطالب بالقبض على كوني، وبالرغم أيضا من الإخراج المميز الذي يربط بين قصة شخصية لمعد الفيلم وقصة الأطفال الأفارقة الضحايا، إلا أن الفيلم أثار الكثير من الجدل السياسي الذي لا أذكر أبدا أنني شاهدت مثله تجاه فيلم تم نشره على “يوتيوب”.

مصدر الجدل السياسي كان ثلاثة أمور:

  • السبب الأول البديهي رد الفعل الضخم الذي أثاره الفيلم في أوساط الشباب والمراهقين، والذين تبنوا قضية كوني، ونشروا عشرات آلاف الملصقات تضامنا مع قضية ضحايا كوني، وتمثل هذا الانتشار في عدد المشاهدين الهائل الذي حققه الفيلم، ثم في رد فعل أوغندا وغيرها التي وعدت ببذل كل جهد للقبض على كوني.
  •  السبب الثاني هو صدمة المجتمع الإعلامي بقدرة فيلم من إنتاج مخرج مغمور على صناعة رأي عام بهذا الحجم في أقوى حملة من نوعها عبر “يوتيوب” والإعلام الاجتماعي.

“يوتيوب” في أصله صنع للمحتوى الذي يصنعه الجمهور، وهي فيديوهات في نظر الإعلاميين والسياسيين لا تزيد عن كونها شخصية، كوميدية، أو سريعة، ولكن أن يصنع فيديو دوائر تأثير بهذا الحجم، وتخرج المظاهرات بسببه، فهذا معناه أن العالم قد تغير فعلا..!

  • السبب الثالث أن القضية التي يتحدث عنها الفيلم هي قضية قديمة، وكوني هذا غادر أوغندا، وجيش الرب اضمحل تأثيره، وإذا كان الإعلام – بطبيعته السريعة جدا – يحب القضايا الطازجة فقط ويكره فتح الملفات البائتة، ولا يؤمن بمحاسبة الجرائم القديمة، فإن السياسيين أكثر حساسية من الملفات المغلقة لأنه يعني التلاعب بأجندتهم في الوقت غير المناسب.

لهذا كله تلقى الفيلم نقدا سياسيا حادا من أكبر المؤسسات الإعلامية، ومعظم النقد الذي نشر صحيح، ولكنه أيضا مفتعل.

مثال للنقد القول بأن الفيلم يطالب أوغندا بالتنسيق مع جيوش الدول الأفريقية الأخرى مثل الكونجو بالقبض عليه، بينما هذا غير ممكن في الواقع، ويدل على جهل المخرج.

كمية ضخمة جدا من النقد جاءت لأن مخرج الفيلم تعاون مع الجيش الأوغندي لصناعة الفيلم، وهذا الجيش فيه فساد ومتورط تاريخيا في توظيف الأطفال كذلك، وناقدون آخرون ركزوا على أن التركيز على القضية هو تركيز خاطئ بينما هناك قضايا أكبر وأهم، وبعض كبار الإعلاميين قالوا إن هذا تبسيط “غير أمين” لقضية معقدة، بينما أكد فريق على أن الفيلم نجح لأنه أعطى الشباب الإحساس بأنهم يقاتلون من أجل قضية هامة بينما هم جالسون في بيوتهم، حتى خرج مصطلح جديد يعبر عن العمل المدني وغير الربحي والذي يقوم على تسليط الأضواء على قضية معينة عبر الإعلام الاجتماعي ونشر الفيديوهات، دون بذل أي مجهود حقيقي لعلاج المشكلة هو slacktivism “حدة النقد وضعت ضغطا نفسيا على المخرج جيسون رسل الذي وجد نفسه فجأة في الأضواء لدرجة أنه خرج بعد ايام من المعاناة النفسية عاريا في الشارع بشكل مجنون وتم وضعه في المستشفى لاحقا”.

بطريقة ما، تشعر بأن الناقدين – ومنهم على سبيل المثال الذين تحدثوا بشكل مطول في جريدة نيويورك تايمز في 9 مارس الماضي – قد تعاملوا مع مخرج الفيلم على أنه رئيس دولة، وأن كلماته يجب أن تواجه موازين النقد نفسها، وهم من جهة على حق لو نظرت لتأثير الفيلم الواسع، ولكنهم من جهة أخرى ينسون تماما أن هذا الفيلم هو فيلم أخرجه شخص من الجمهور، وحصل على هذا التأثير بسبب قوة الإعلام الجديد الضاربة والمتزايدة، وليس لأن لهذا الشخص أي منصب أو وضع سياسي.

في كل الأحوال قد تتفق مع من هاجموا الفيلم أو تختلف معهم، ولكنها حقيقة تبقى قائمة وهي أن الفيلم يمثل نقلة تاريخية في علاقة الإعلام الجديد بالرأي العام العالمي والسياسي، وقدرته على إحداث خلل في التركيبة التقليدية لصناعة الرأي العام بشكل لم يكن مسبوقا من قبل، وهذا أمر له أهميته الواسعة في مناطق مثل العالم العربي الذي يقف الرأي العام فيها على ألغام جاهزة للانفجار في أي وقت، مهما كانت القضايا صغيرة وتجلس في زوايا مهمشة لا يراها أحد.