الفرح هو أن تضحك ببراءة، متناسيا الهموم، تماما كالطفل، وإذا كان الصغار يضحكون ويفرحون لأنهم يحصلون على “العيدية” وملابس العيد، فإن أمام الكبار – في العيد _ مهمة أصعب لاصطياد الفرح والسعي للانغماس فيه، بعيدا عن حياة مليئة بهموم العمل والتحصيل المادي والضغوط النفسية الأخرى.
العيد يتطلب منا ونحن في حضرة الأعزاء والأحباب والأهل أن نرسم الابتسامة على وجوهنا، ولكنها أيضا فرصة لممارسة “الفرح” الصادق المخلص، كانعتاق روحي من كل الغيوم السوداء التي تحيط بنا في حياتنا.
لكن هناك عوائق تقف دائما في وجه الفرح، هناك عوائق الشعور بمأساة الآخرين ممن نحب والذين يأتي العيد وهم في عمق الأزمات، التي تأتي بلا استئذان.
هناك عوائق الشعور بمشكلاتنا، ولو سألت أي شخص ستجد أنه يشعر بأن مشكلاته تزيد ولا تنقص، وهناك شعورنا بالوحدة والإرهاق والحيرة، وهي مشاعر عامة وليست خاصة حتى لو تفاوتت درجاتها من شخص إلى آخر.
هناك أيضا شعورنا كعرب ومسلمين بأننا جزء من عالم يتقدم علينا، ويتصارع معنا، ومناسبة العيد هذا العام التي تتصادف مع ذكرى الحادي عشر من سبتمبر وتطرف من يريد حرق المصحف الشريف تأبى أن تدعنا ننسى إحساسنا بهذا الواقع المر.
سألني صديق “كيف أفرح والهموم تحيط بي ؟”، ولما سألته عن تلك الهموم ذكر لي الأقساط ومشاكله مع زوجته وعدم الاستقرار في عمله والمال الذي خسره في سوق الأسهم، وغير ذلك.
قلت له: الفرح حالة وجدانية عميقة تستطيع أن تمتلكها رغم كل الهموم. لو نظرت لنفسك على أنك مركز الكون ورأيت كل هذه المشكلات مجرد سهام متوجهة إليك وأنت تصدها يمنة ويسره بالغلاف الحديدي الذي صنعته حولك، وغرقت في رومانسيتك الخاصة وجعلت قلبك يشعر بالانتعاش لشعرت بالفرح.
قال لي: هذا شعور “نرجسي” لا أريد فعله لأن هذا سيمنعني من الشعور بمشكلات الآخرين وسيجعلني أنانيا ولا أتعامل مع الأمور بواقعية.
قلت له: لن تصل يوما لهذا الشعور لأنه شعور غير إنساني، ولكن المقصود أن تسعى دائما للفصل بين بهجة القلب وفرح الفؤاد وبين المشكلات، وأن تتعامل مع المشكلات على أنها أشواك على طريق تمضي فيه بينما ترقص وتغني، وكلما صادفتك شوكة نزعتها ثم استمررت في المضي.
لكنني أعترف .. تحقيق هذا الأمر ليس بالسهل، لأنه يحتاج قدرة روحانية عالية على النظر إلى المشكلات وكأنه شيء خارج عنك، وأن تحصن روحك ضد التأثر النفسي السلبي وأن تسعى لأن تكون فوق الواقع.
لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ..
إن أسوأ الأمور أن يكون لدينا الكثير ولا نفرح به بسبب القليل الذي لا نملكه، وأكبر فشل هو أن نجعل بعض الفشل في حياتنا يدمر سعادتنا بالنجاحات الكبرى التي نحققها كل يوم.
إن أرواحنا سهل أن تتعب وترهق وعلينا في كل لحظة أن نفكر في حماية هذه الأرواح الهشة من الحزن.
الفرح محله القلب، والقلب تحميه صدورنا العاشقة للحياة ..
كل عام وأنتم بخير.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية