الحاضر هو الحياة، ومن يتقن عيش الحاضر وتناس آلام الماضي وهواجس المستقبل، ويستطيع السيطرة على عقله من التشتت ويبعد عنه كافة أنواع الضغوط اليومية فهو يتقن فن الحياة!
في الأسبوع الماضي تحدثت عن النظريات العديدة التي تتاول هذه الظاهرة، وتقدم “عيش اللحظة” كحل سحري لمشكلاتنا، وخاصة تلك المشكلات التي تتزايد مع تزايد سرعة الزمن وتكاثف ضغوطاته على الإنسان المعاصر.
سأتحدث اليوم عن نصيحتين تساعدان على القدرة على عيش الحاضر والاستمتاع به، وسأتناول أربع نصائح أخرى في الأسبوعين القادمين.
أستطيع أن ألخص أحد أجمل النصائح التي وجدتها في ما كتب عن هذا المجال بعبارة “انس نفسك”، فعيش اللحظة والتركيز على الحاضر يعني أن تبذل جهدك للتخلص من أسر أفكارك الذاتية وأن ترى العالم من حولك بشكل يسمح لك في النهاية أن تشعر وكأنك جزء من عالم أكبر، وجزء من المكان الذي أنت فيه، وجزء من الأهداف العامة لمجموعة الناس الذين تعمل معهم أو أفراد أسرتك وجيرانك والحي الذي تعيش فيه.
إن هواجسنا الذاتية وتحليلنا الدائم لأنفسنا والحساسية المفرطة بحثا عن حماية أنفسنا من النقد تجعلنا غارقين ضمن عقولنا، وهذا يخالف فن عيش الحاضر الذي يحاول دائما دفع الإنسان للسيطرة على عقله ليتعامل معه وكأنه شيء مستقل عنه. هذا هو بالضبط سر نجاح الرياضيين والمبدعين والذين يستمدون الكثير من الثقة بنفوسهم من خلال التقليل من تقييم أنفسهم والمبالاة المحدودة بالمخاطر على شخصهم.
هذا النوع من الثقة بالنفس هو أيضا سر نجاح رجال الأعمال والمدراء والناجحين الكبار الذين يمضون في حياتهم بسلاسة وطبيعية ويحققون الكثير من النجاحات لأنهم لا يقلقون كثيرا على المخاطر، وفي نفس الوقت تمنحهم هذه الثقة بالنفس وعدم السماح للقيود أن تسيطر عليهم، تمنحهم طاقة رهيبة للعطاء والنمو.
النصيحة التالية في فن عيش الحاضر هي الاستمتاع إلى حد الانغماس في الحاضر، وهو ما يسميه علماء النفس: Savoring، حيث تشير الدراسات العلمية أن أكثر الأفكار السلبية هي أفكار مرتبطة بالماضي والمستقبل وهي التي تمنعنا من الاستمتاع بالحاضر.
عندما تكون في مكان جميل وتتساءل ما إذا كنت ستأتي إليه مرة ثانية فهذا قلق سلبي على المستقبل، وعندما تتحسر على ما فاتك في الماضي وتعيش الندم فهو أيضا من التفكير في الماضي، وأسوأ أنواع القلق عندما تقلق على شيء لم يحصل وقد لا يحصل على الإطلاق.
ليس من السهل دائما التخلص من القلق، وخاصة في الحياة العملية التي تطرح علينا سؤالا كل لحظة عن النجاح والنمو والتفوق وهو ما يدفعنا دائما للتفكير في المستقبل والماضي، ولكن النصيحة لهؤلاء هي أن يبذلوا كل جهد لأخذ راحة يتناولون فيها الغداء أو الشاي وينسون تماما ما يحصل في حياتهم اليومية ويستمتعون باللحظة.
هؤلاء عادة – حسب أحد الدراسات العلمية _ لديهم مستويات أفضل من السعادة وطاقة الإنتاج والعطاء وتحمل المشكلات ومعالجتها.
في كل لحظة من حياتنا هناك أشياء صغيرة يمكننا الاستمتاع بها بحيث ننسى مكدرات الحياة ومعكرات الصفاء.
بل هناك من يقول أن السعادة هي فقط “الاستمتاع بالأشياء الصغيرة الحاضرة”.
خذ نفسا عميقا مرة أخرى، ارفع نظرك نحو الغرفة من حولك، ابتسم في وجه زميلك أو حتى عامل الشاي، انفصل عن الماضي والمستقبل وتأمل اللحظة بانتشاء..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية