رغم أن الإنترنت يملأ حياتنا اليوم ورغم أن عدد مواقع الإنترنت العربية يتزايد بشكل انشطاري، إلا أن هذه المواقع كانت تنتظر اللحظة التي تستطيع فيها أن تصبح قادرة على تحقيق دخل إعلاني معقول يسدد نفقاتها ويسمح لها بالاستثمار في تطويرها وخاصة مع المنافسة الهائلة القادمة من الغرب عبر المواقع العالمية والتي تتبنى سريعا اللغة العربية مثل “جوجل” و”ياهو” و”يوتيوب” و”فيسبوك” وغيرها.
هذه اللحظة ستأتي على ما يبدو ابتداء من العام القادم، فحديث الوكالات الإعلانية اليوم في العواصم العربية الكبرى هي الإعلان على الإنترنت، ونقاش الميزانيات في كثير من الشركات استعدادا لعام 2011 يتضمن الإعلان على الإنترنت كعنصر أساسي منه.
بشهادة كثير من أبناء قطاع الإعلان، المعلن العربي يتغير، كما تغير من قبله المعلن الغربي، وهذا يعني أن عالم الإنترنت العربي سيولد من جديد.
في بريطانيا وخلال عام 2009، كان الإنفاق على الإعلان على الإنترنت أعلى من الإنفاق على الإعلان التلفزيوني _ رغم غلاء الإعلان التلفزيوني، وهذا مثل تحولا هائلا في صناعة الإعلان بشكل عام ودليل على التمدد السريع للإعلام الإلكتروني الجديد. هذا التحول نفسه يتمدد سريعا في العالم العربي كذلك.
هناك بالمقابل عددا من العقبات التي “تبطئ” هذا التحول عربيا، وأولها ندرة المواقع العربية الكبرى الناجحة والتي تستقطب جماهير ضخمة من المتصفحين، بحيث يطمئن المعلن بأن إعلانه سيصل مباشرة لأعداد كبيرة من الجماهير.
في كأس العالم، على سبيل المثال، كان هناك عدد كبير من المواقع الرياضية العربية، ولكن نظرة سريعة على هذه المواقع ومقارنتها بنظيراتها غير العربية، تجد الفجوة واسعة والضعف العربي واضحا من الناحية التقنية والتحريرية على حد سواء.
من ناحية أخرى، فإن المواقع العربية لا يمكن وضع كل اللوم عليها في المشكلة لأن هذه المواقع تعاني من جفاف الموارد مقارنة بالمواقع الغربية، ولذا فإن إقبال المعلن العربي سيشجع أصحاب المواقع على الإنفاق والاستثمار وتطوير المحتوى وبناء مواقع عملاقة ذات ميزانيات كبيرة.
هناك أيضا تقصير كبير من القارئ العربي، فهو قارئ في كثير من الأحيان أناني أو منغلق على نفسه، وبينما تقوم ثورة الإنترنت على المشاركة الجماهيرية في صناعة المحتوى، فإن المواقع العربية التي تعتمد على المحتوى الذي يبثه الجمهور User Generated Content تعاني من ضعف الإقبال عليها، وفي حال شارك الجمهور تكون المشاركة ضعيفة جدا ولم يبذل فيها الجهد الكافي.
لو نظرت لـ”يوتيوب”، واستثنيت الفيديوهات المقصورة، فإن الفيديوهات العربية التي يبذل فيها جهد حقيقي من قبل الجمهور قليلة مقارنة بمثيلاتها المنشورة من قبل الجمهور في مختلف دول العالم الأخرى.
أخيرا هناك مشكلة في التخطيط للمواقع العربية، فهناك عشرات المواقع التي يتم الاستثمار فيها بشكل كبير كل عام، ولكن هذه المواقع تفتقد في معظم الأحيان الاستراتيجية الواضحة والذكاء اللازم لتحقيق الجماهيرية المطلوبة للموقع، وسيفاجأ الناس خارج صناعة الإنترنت كم أنفقت بعض الهيئات وكم استثمر البعض في مواقع عملاقة كان عدد زوارها في النهاية لا يختلف عن عدد زوار مجموعة في موقع “فيسبوك”.
الإعلان على الإنترنت له أشكال عديدة، ولكن إذا أردنا أن نفترض أن الإعلان العربي سيتطور بنفس الطريقة التي يتطور فيها الإعلان الغربي، فإن الشكل الأكثر حداثة وشعبية في الغرب هو الفيديو الذي بذل فيه جهد إنتاجي متقن، ولكنه في نفس الوقت ممول من أحد الشركات _ أنظر لفيديوهات Toyota على موقع “فيسبوك” مثلا، وبالتالي تربح الشركة الإعلان في فيديو سيشاهده الملايين، وتربح الجهة المنتجة وجود شريك إعلاني يمول عملية الإنتاج المكلفة.
بكلمات أخرى، فإن الإعلان يقبل بسرعة على الارتباط بالفيديو أكثر من النص أو الصفحة العادية لأن الفيديوهات أثبتت قدرتها على البقاء وجذب الجماهير والانتقال من صديق إلى آخر عبر الإنترنت أكثر من أي مادة إعلامية أخرى. من جهة أخرى، فإن دمج الإعلان مع المادة المنتجة هو الوسيلة الأفضل لبقاءها.
المنافسة ستشتعل العام القادم بين المواقع الإنترنتية، وهي بكل أسف ليست بين المواقع العربية، بين المواقع الغربية التي أطلقت نسخها عربيا مع عدد من المواقع الأصغر والأضعف عربيا.
ستحصد المواقع الكبرى حصة الأسد، وستستمر في ذلك إلى أن يستطيع الموقع العربي أن يدرك نقاط قوته ويكسب المنافسة كما حصل في عدد من دول العالم الأخرى مثل الصين والهند.
الإنترنت قادم لأن المعلن العربي بدأ يقتنع أخيرا بالإعلان على الإنترنت ونتائجه المذهلة، وهذا يعني أننا نستطيع الآن أن نتأمل خططنا الاستراتيجية لتطوير مواقع الإنترنت العربية بعد طول غياب..!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية