إذا كان هناك مئات الملايين من الناس يتسمرون أمام شاشة الكمبيوتر ليتصفحوا مواقع الإنترنت، وإذا كانت سرعة الإنترنت تسمح الآن بمشاهدة الفيديوهات بجودة عالية جدا، فلماذا لا يكون هناك إنتاج درامي وكوميدي ووثائقي وأنيمشين خاص بالإنترنت؟
هناك مشكلة وحيدة فقط، أن تكلفة الإنتاج بشكل عام مرتفعة ولا تستطيع المداخيل المالية التي تحققها مواقع الإنترنت من الإعلانات تسديد هذه التكاليف، مما يجعل الخيار الأسهل استخدام المحتوى المنتج للتلفزيون أو السينما لعرضه لاحقا على الإنترنت.
لكن هذه المشكلة على ما يبدو في طريقها للحل، مع النمو السريع للإعلان على الإنترنت، ومع الزيادة السريعة لعدد مستخدمي الإنترنت حول العالم وللمشتركين في أنظمة الإنترنت السريعة Broadband Services.
وبالفعل ظهر خلال العامين الماضيين عدة مسلسلات خاصة بالإنترنت، وجاء في قمتها مسلسل لفئة المراهقين والشباب أنتج مطلع هذا العام واسمه LXD والذي كلف ملايين الدولارات ووقفت وراءه واحدة من أهم شركات الإنتاج الأمريكية Paramount، وتم عرض المسلسل هذا العام حيث تم تحميل حلقة واحدة كل أسبوع، يصل طول كل حلقة إلى ثمان دقائق تقريبا، وتم تمويل المسلسل من الإعلان حيث كانت المشاهدة مجانية على موقع Hulu.
لكن الانطلاقة الحقيقية ستأتي العام القادم على يد النجم الأمريكي الشهير توم هانكس، والذي يعمل على مسلسل أنيمشين اسمه Electric City أو المدينة الكهربائية، ويتناول أحداث المستقبل بطريقة درامية.
هانكس والذي يعتبر اسمه موازيا للنجاح في مختلف الأعمال التي قدمها ممثلا أو منتجا أو كاتبا في هوليود بدأ حملة إعلامية ضخمة للحديث عن قيمة الإنتاج للإنترنت بشكل خاص، وكيف يمكن أن يكون الإنترنت هو القاعدة الأساسية للإنتاج بحيث تنتقل الأعمال منه إلى شاشة التلفزيون وليس العكس.
بذلك يكون العمل قد ساهم في ثورة غير مسبوقة في عالم الإنتاج لأن تحوله إلى شاشة الإنترنت يعني وجود ديناميكية مختلفة تماما في تمويل الإنتاج، واختيار النصوص، واستهداف الجمهور، وحتى في بناء حبكة النص، وتكثيف التفاعلية في الأعمال الدرامية بما يتوافق مع خصائص شاشة الإنترنت والجمهور المستخدم لها.
هناك أيضا أمر آخر مميز عن هذا الإنتاج، وهو أن توم هانكس بعد أن فشل في تمويل هذا العمل من شركات الإنتاج الهوليودية الكبرى، استطاع أن يحصل على تمويل له من شركة إنتاج هندية شهيرة اسمها “ريلاينس”، والتي كانت قد مولت المخرج الشهير ستيفن سبيلبرغ بأكثر من 300 مليون دولار لإنتاجاته السينمائية الموجهة للجمهور خارج أمريكا.
المنطق الذي اعتمدت عليه “ريلاينس” في تمويلها لهانكس، هو أن هناك على الأقل 700 مليون مستخدم للموبايل في الهند وحدها ممن يعرفون الإنجليزية، وهذا كاف لتحصيل أرباح للعمل لتغطية تكاليف الإنتاج.
هذا باختصار يعني أن هناك حسابات تجارية مختلفة تماما ستدخل على اللعبة عندما يصبح الإنتاج خاصا بالإنترنت والموبايل.
في العالم العربي، ما زال الأمر في بداياته طبعا، وكان الزميل ثامر الصيخان، أول من بدأ إنتاجا كوميديا خاصا بالإنترنت في عام 2008، والذي حقق إقبالا جماهيريا واسعا، ثم انضم بعد ذلك لإدارة الإعلام الجديد في مجموعة MBC لينتج أول ثلاث أعمال كوميدية خاصة بالموبايل _ 30 حلقة، كل حلقة 4 دقائق _ في اتفاقية خاصة مع شركة زين.
هناك إنتاجات أخرى جاءت بعد ذلك، ولكن الطريق ما زال في بدايته، مع محاولة المنتجين لإيجاد تمويل مثل هذه الأعمال، والذي يأتي عادة من ثلاث مصادر للدخل: دخل من مستخدمي الموبايل الذين يشاهدون هذه الأعمال مقابل رسوم محدودة على أجهزتهم، ودخل من شركات الإعلان التي تضع منتجاتها ضمن المسلسلات، وأخيرا دخل من الإعلان على مواقع الإنترنت التي تضع المسلسل على الموقع.
هناك مصادر أخرى للدخل قد تظهر بعد ذلك مثل دخل شراء ألعاب الفيديو المرتبطة بالمسلسل أو نغمات الجوال أو المنتجات التسويقية التي تحمل اسم المسلسل، أو الأهم من ذلك لو قررت محطة تلفزيون عرض المسلسل على شاشتها بعد عرضه على الإنترنت.
في كل الأحوال، الإنترنت سيمثل نافذة إنتاج جديدة طموحة سريعة النمو وعالية التفاعلية وفيها مساحات واسعة من حرية الحركة بعيدا عن تعقيدات عالم الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وهذا من شأنه في السنوات القليلة القادمة أن يغير معادلات صناعة الإنتاج الفني إلى الأبد..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية