ادمج روحك مع الزمن وتسامح مع من حولك!

من قسم منوعات
الأحد 20 يونيو 2010|

انفصل عن الماضي والمستقبل، اسمح لروحك أن تنطلق بعفوية بعيدا عن هواجس العقل ومخاوف النفس، واستمتع بالحياة “الآن” عندما تعيش اللحظة كما ينبغي أن تعيشها.

هذه هي النصيحة الجوهرية التي تقدمها عدد ضخم من الدراسات العلمية، وقد تناولت النظرية في الأسبوعين الماضيين، مع بعض النصائح العملية للعمل على تطبيقها، علما أن هذه النصائح والتي ستستمر هذا الأسبوع والأسبوع القادم هي غيض من بحر من الاستنتاجات الجميلة حول فن عيش اللحظة، كما ترجمته من كلمة Mindfulness.

ولعل واحدا من أهم الأسئلة التي يحتاجها من يريد إتقان فن الحياة والاستمتاع باللحظة هي كيفية إدارة الوقت وتحقيق الأهداف والانطلاق في الحياة العملية بنجاح وبعيدا عن التعقيد والقلق بشأن المستقبل ومدى استغلال كل دقيقة لتحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه.

بطريقة أخرى، كيف يمكن أن نسمح لطموحاتنا العملية أن تأخذ مجراها دون أن نفقد التحكم وتصبح عبئا ثقيلا علينا؟.

علماء النفس ينصحون بمبدأ اسمه “الانسياب” Flow، حيث يترك الإنسان متابعة الوقت تماما ويكون تركيزه على ما يحب فعله وعلى أهدافه وبحيث يغوص عميقا في ذلك إلى درجة أنه لا يشعر بمرور الوقت، ولا يمكن أن يشتته شيء، وكأن روحه اندمجت مع ما يفعله ومع الزمن، حينها يصبح ما نفعله مثل النوم، نذهب إليه بدون تخطيط وندخل عميقا فيه ويمنحنا دائما الكثير من الطمأنينة والانتعاش.

لتحقيق هذه الحالة الروحانية الرائعة يحتاج الإنسان لهدف واضح، فيه خطوات تتسلسل في ذهنه، كالصعود من درجة إلى درجة، وهو هدف يمثل تحديا لذيذا، ليس بالصعب جدا بحيث يحتاج تحقيقه إلى الكثير من الضغط النفسي، وليس سهلا بكيث يكون مملا، بل شيء في الوسط، متوافق مع أهواء الإنسان ولكنه يتطلب منه جهدا أكثر من العادي.

ويشترط عالم النفس الشهير الذي جاء بمصطلح الانسياب _ وهو أمريكي اسمه ميهالي سيكسينتزميهالي ويعتبر الرجل وراء الكثير من أفكار تحفيز الإبداع _ إيجاد ما يشبه حالة الانتظار، بحيث يكون هناك أمر تتشوق للوصول إليه وللخطوة التي بعده. وهو أيضا يقول بأنه كلما كانت معرفتك بنجاحك وفشلك في كل خطوة مباشرا وسريعا كلما استمتعت أكثر و”انسبت” أكثر.

النصيحة الرابعة في فن عيش اللحظة هي توظيف هذا الفن للحصول على علاقات زوجية أفضل، فالإنسان الذي يستمتع بلحظته لديه قدرة أكبر بكثير على تحويل الأحداث السلبية لمجرد أحداث دون إعطائها أبعادا سلبية أكثر من حجمها بشكل يعكر علاقاته مع الآخرين.

إن مجرد خوض تجربة الاستمتاع بأكل الزبيب _ حسب أحد الدراسات الميدانية _ ثم الإقبال على أي موقف سلبي مثل إساءة الآخرين لك بشكل غير مباشر، يجعل الإنسان أكثر تفهما وإيجابية من الشخص الذي لا يعيش اللحظة، ولا يتمكن من التحكم في هواجسه وينفصل عنها.

لهذا أسباب أظن أن القارئ المتابع لسلسلة هذه المقالات قد استنتجها مباشرة، فعيش اللحظة يزيد الثقة بالنفس، والتحكم بالذات، والارتباط بالآخرين بشكل يقلل من سلبيتنا نحوهم.

بكلمات أخرى، أبطال عيش اللحظة لا يأكلهم الغضب بقدر ما يسألون أنفسهم: هذا ما يحصل حولي الآن، ما هو أفضل طريقة للتعامل مع الموقف؟

في الحلقة القادمة سأختم حديثي، وحتى ذلك الحين جرب أن تتسامى بنفسك عن كل ما حولك، وأن تبتسم وتغلق عينيك وأن تسمع أصوات الطبيعة الأجمل تغمرك!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية