المدونات كعماد لمؤسسة إعلامية واسعة الانتشار!

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 24 مارس 2008|

يذكرني كثير من المدونين بأولئك الشباب والشابات الذين يطرقون أبواب المؤسسات الإعلامية راغبين في أن يكونوا صحفيين بالرغم أنه لا يوجد لديهم أي خبرة سابقة أو تعليم إعلامي متخصص، وهي ظاهرة تتكرر بشكل يومي في حياة المؤسسات الصحفية العربية، وهي كذلك ليست بظاهرة سلبية بل إن أفضل الصحفيين العرب وكثير من رؤساء التحرير بدؤوا حياتهم الإعلامية بهذه الطريقة حيث ينطلقون في العمل الإعلامي اليومي بحافز داخلي قوي يجعلهم يعطون ليلهم ونهارهم للعمل الذي عشقوه قبل أن يعرفوه!

هذه الظاهرة خاصة بالعالم العربي لأنه لا توجد لدينا مؤسسات أكاديمية لتعليم الصحافة، ورغم إن الكثيرين من الأكاديميين يختلفون معي في هذه النتيجة، فأنا ما زلت أؤمن أن أفضل أقسام الصحافة في العالم العربي لا تخرج صحفيين بل تخرج شباب يعرفون الكثير من تاريخ الصحافة وقيمها دون أن يعرفوا حقا كيف يمارسونها.

المدنون في كثير من الأحيان شبيهون بهؤلاء الراغبين في دخول العمل الإعلامي أو في كتابة المقالات الصحفية، والذين اختاروا أن يتجهوا للإنترنت كبديل عن المؤسسة الإعلامية التقليدية لأن الأمر أسهل أو هربا من قيود الرقابة الرسمية والمهنية، علما أن الهرب من الرقابة المهنية هو الدافع الأساسي لظهور المدونات الصحفية الشهيرة في الغرب.

المشكلة هنا أن هؤلاء المدونين لا يكتب لهم في أغلب الأحوال تطوير خبراتهم بسبب عدم تواجدهم في بيئة مؤسساتية إعلامية، فيبقى منتجهم في كثير من الأحيان ردئ من ناحية المصداقية والموضوعية والصياغة الصحفية وبناء هيكل القصة الصحفية، ولو تم علاج هذا الموضوع لتحولت المدونات إلى مواقع إعلامية تقدم موضوعات صحفية يومية قد يتوفر فيها أحيانا ما لا يتوفر في المادة الإعلامية الكلاسيكية لأن هؤلاء المدونين يكتبون بحماس لا يملكه الكثير من الصحفيين وينطلقون من تجارب شخصية واجتماعية خاصة بهم.

يمكن علاج هذه القضية في رأيي من خلال إيجاد برامج تدريبية إعلامية للمدونين تعلمهم أسس الصياغة الصحفية، وتوضح لهم بعض القيم الهامة مثل اللغة الحيادية في الكتابة ونسبة المعلومات إلى مصدرها، وكيف يمكن إدراج خبراتهم اليومية وآرائهم الشخصية وانطباعاتهم العاطفية دون أن يؤثر ذلك على حيادية المادة الصحفية، في الغالب باستخدام ما يسمى بقوالب الصحافة السردية Narrative Journalism.

إذا وجدت لدينا مجموعة من المدونات بهذا الشكل فيمكن أيضا تحويلها لما يشبه شبكة المواقع الإعلامية التي تتحالف فيما بينها في مجال الإعلان التجاري من حيث مخاطبة المعلنين وتوزيع الإعلان على تلك المواقع، وهذا سيحل عدة مشكلات إعلانية، منها توفير عدد كبير من الزيارات للإعلان الواحد، ومنها منح المعلن بعض الطمأنينة على إعلانه عندما يعرف أنه منشور في شبكة تلتزم بالمعايير الصحفية الموضوعية ولا تنشر ما يخالف تلك المعايير وبالتالي لا يخاف من وضع علامته التجارية في مواقع “غير آمنة”.

ليس هذا فحسب، فهذه الشبكة الإعلامية قد تتطور لتتحول إلى مزود للمحتوى بحيث توجد اشتراكات للصحف والمجلات وغيرها من المؤسسات الإعلامية التي ترغب في إعادة نشر المادة الصحفية الموجودة على المدونات مقابل مبلغ شهري معين، وهذا كما هو معلوم أمر موجود بشكل واسع في عالم الإعلام على صعيد الأخبار أو المقالات أو القصص الصحفية أو الصور، ويطلق عليه المصطلح الإنجليزي Syndication.

أضف إلى ذلك، إن وجود آلاف المدونات العربية التي تتنوع في تخصصاتها وخبرات المدونين الذي يقومون عليها وانتشارها في مختلف المدن والقرى العربية يساعدها على صناعة موقع مركزي يستفيد من أفضل ما ينشره هؤلاء المدونين ويعيد ترتيبه بشكل مميز وقادر على منافسة المواقع الإخبارية.

هذه الفكرة ليست جديدة تماما، فهناك مواقع إخبارية عالمية شهيرة تقوم على الأخبار المرسلة من الجمهور المتطوع، حيث يتم إعادة صياغة هذه الأخبار والتوثق من مصداقيتها ونشرها، ومن أشهر هذه المواقع العالمية موقع صيني شهير عنوانه OhmyNews، وهو أحد أكثر المواقع الصينية زيارة، ويمكن الاطلاع على نسخته الدولية على هذا الرابط.

المدونات منجم ذهب ينتظر من يكتشفه !

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية