كثير من القراء سمع بطريقة أو بأخرى عن “إضراب الكتّاب” في أمريكا، حيث أضرب أعضاء نقابة الكتّاب عن العمل وما زال الإضراب ساريا حتى اليوم رغم إشارات بالانفراج القريب.
هذا الإضراب ساهم في خسائر بعشرات مليارات الدولارات في قطاع التلفزيون والموسيقي والسينما في أمريكا، وهو قطاع مؤثر جدا عالميا بحكم أن الاستهلاك العالمي للمنتج الأمريكي الإعلامي والترفيهي يصل أحيانا إلى 50-70% مقارنة بالاستهلاك المحلي في دولة ما.
نتيجة الإضراب توقف كثير من البرامج والمسلسلات التلفزيونية الشهيرة أو الاستمرار بمستوى شديد الرداءة بالإضافة لخسائر الاعتماد على الكتّاب الهواة الذين ارتفعت أسعارهم بين يوم وليلة.
معظم الاستديوهات الموسيقية الأمريكية توقفت عن الإنتاج لكبار نجومها كما يتوقع أن يكون موسم السينما القادم ضعيفا للسبب نفسه.
وكانت الضربة القاصمة التي لفتت الأنظار للإضراب إلغاء حفل جوائز الجولدن جلوب “للسينما والتلفزيون”، وقد ينتج عنه إلغاء حفل الأوسكار “للسينما” وجوائز الجرامي “للتلفزيون والموسيقى” وهي أهم حفلات الجوائز الأمريكية السنوية.
لماذا أضرب الكتّاب في أمريكا؟
في السابق كانت هناك عدة إضرابات للكتاب لها علاقة بالأجور، بما فيها أطول إضراب تاريخيا والذي حصل في عام 1988 وكان مرتبطا بالنسب التي يحصل عليها الكتّاب من مبيعات البرامج والمسلسلات والموسيقى والأفلام الأمريكية في الخارج، وجاء ذلك بالتزامن مع الانتشار الأمريكي الإعلامي الدولي في ذلك الوقت، وتم حله من خلال تغيير صيغة العقود وزيادة أجور الكتاب عندما يتم البيع خارجيا.
المشكلة هذه المرة هي الإنترنت، فمبيعات صناعة الترفيه والإعلام الأمريكية على الإنترنت تزايدت بشكل غير عادي، حتى أن شبكة NBC التلفزيونية الأمريكية الشهيرة _ والتي تملكها شركة جنرال إلكتريك _ أعلنت أن مبيعاتها على الإنترنت والموبايل لبرامجها ومسلسلاتها وموسيقاها ستصل هذا العام إلى مليار دولار، والكتاب غاضبون لأن الشركات الإعلامية وشركات الإنتاج لا تعطيهم نصيبا كافيا من دخل مبيعات الإنترنت والموبايل، أو ما يسمى بالإعلام الجديد.
المؤسسات الإعلامية والفنية من جهتها تدافع عن نفسها بأن الإعلام الجديد New Media لم ينضج كصناعة بعد وأنهم خلال السنوات استثمروا مليارات الدولارات في بناء مواقع الإنترنت وأن هذه المبيعات بالكاد تكفي لتسديد تلك الاستثمارات التي بدأت في عام 1995.
الخلاف لم يحل بعد، ولكنه خلاف جوهري تاريخيا لأنه يشير بقوة إلى تغير ضخم في صناعة الإعلام والسينما والفن عموما، حيث أصبح الإنترنت والموبايل منافسا رئيسيا لوسائل الإعلام الكلاسيكية من حيث الدخل الذي يحققه ومن حيث كونه المحطة التي يذهب إليها الكثيرون _ وخاصة من الشباب _ للحصول على ما يريدون من المسلسلات والبرامج والأفلام والأغاني وغيرها.
أحد الشركات العملاقة التي تصرفت بذكاء مبكر وتساهم اليوم في إعادة صياغة البعد التجاري للإعلام الجديد هي شركة Apple حيث استطاعت من خلال موقعها iTunes ومن خلال أجهزة الـiPods، أن تستولي على نصيب كبير من مبيعات صناعة التلفزيون والسينما والموسيقى الأمريكية على الإنترنت، وذلك لأن زائر الموقع يجد أمامه قائمة هائلة من كل محتوى يريد، يختار ويشتري كيفما يحب ويستمع متى ما شاء لما يريد.
هذه المبيعات الضخمة أسالت لعاب وشهية الكتاب في أمريكا، كما أنها بدأت تثير اهتمام المستثمرين ووسائل الإعلام والكثيرون الذين صحوا فجأة على ما تحققه الاستثمارات على الإنترنت محاولين اللحاق بالقطار.
هل سينتقل هذا التغير الإعلامي الهائل للشرق الأوسط؟
الجواب هو: نعم بلا شك، ولكن بشكل أبطأ بكثير مما هو حاصل في الدول الغربية والدول المتقدمة، وذلك بسبب مشكلات كثيرة تحدثت عنها في مقالات سابقة، وأهمها في رأيي عدم توفر الإنترنت بسرعات عالية وبسعر مقبول وبدون مشكلات تقنية كثيرة في الدول العربية.
في الأسبوع القادم سأحكي لماذا يكون الكتاب مهمين ومؤثرين بشكل كبير في صناعة الإعلام والترفيه في أمريكا، بينما لا تكاد تسمع لهم ذكرا في عالمنا العربي لأنني أعتقد أنها قصة ما زالت تحتاج لمن يرويها.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية