فرصة إنقاذ من السجن الاجتماعي

من قسم منوعات
الجمعة 30 مارس 2007|

تعليقا على مقال سابق نشر في هذه المجلة بعنوان “الحياة خارج القفص الذهبي” أرسلت لي قارئة بريدا إلكترونيا تقول فيه:

«الحقيقة لم أعش داخل القفص الذهبي بمعناه المعروف، ولكني عشت داخل شرنقة من حرير، مع أني أعيش في الرباط على بعد آلاف الكيلو مترات عن أهلي، وما زلت أحس بهذه القيود الحريرية.

رغم معاناتي في الغربة وإحساسي بالوحدة، إلا أنني عندما أرجع إلى مدينتي الصغيرة وأتجول في شوارعها الأليفة، وأعيش في كنف بيتي الكبير الدافئ، يتسرب إلى روحي حنين خفي إلى شوارع الرباط الباردة، وإلى غرفتي الصغيرة المتواضعة، وذلك لإحساسي بقليل من الحرية، فما بالك بالذي يعيش حريته كاملة وأحيانا على حساب حرية الآخرين ثم تضعه في قفص، حتى لو كان من ذهب، أكيد سيشعر بالملل والضجر، ولكن علينا أن نفكر مليا في حجم الحرية قبل القفص وحجم القفص بعد الحرية المستحقة».

وبقدر ما هي الكلمات معبرة حول مفهوم الحرية بشكل عام، إلا أنها أيضا تعبر عن معاناة الإنسان العربي مع مجتمعه، الذي يعشق التحكم في حياته، ولا يقتصر حب التحكم المبالغ فيه على الوالدين والأقارب والإخوة الكبار والصغار، بل يتجاوزه إلى الأصدقاء، وأصدقاء الأصدقاء وحتى الناس في الشارع، ويصل هذا التحكم إلى كل جوانب الحياة، ففي عالمنا العربي يحدد لنا الناس ماذا نأكل وماذا ندرس في الجامعة وكيف نلبس ومن نصاحب وإلى أين نذهب وماذا نفعل في الصيف وكيف نرتب أثاث البيت وكيف نضحك وكيف نتحدث في كل مناسبة ومن نتزوج وكيف ومتى نتزوج ومتى ننجب الأطفال وكيف نتصرف إذا لم يأت الأطفال وغير ذلك.

المجتمع حدد لنا تصرفا لائقا في كل كبيرة وصغيرة، وإذا خرجت عن اللائق خسرت سمعتك وكرهك الناس وانتقدوك ووجدوا لك كل أنواع العيوب، وإذا كان هذا الضغط مبذول على الكل، فللمرأة وللمراهق ولا شك نصيب الأسد فيه حيث تتسلط عليهم العيون الناقدة كالسهام الشائكة.

والمجتمع لا يبذل ضغطه بشكل عقلاني، بل هو مزاجي، فبينما أحيانا ينطلق في نقده من خلفية دينية، إلا أنه يضاد الدين عندما تصل الأمور إلى التقاليد المتبعة في الزواج مثلا فيرفض الشخص الذي لا يرقى إلى سمعة العائلة، وهو أيضا يضغط على كيفية الإنفاق المادي لدى الإنسان، فالإنسان العربي لا يجرؤ على أن يركب سيارة قديمة لأنه يريد إنفاق ماله على السفر والاستثمار، ولا يحق له أن يركب سيارة فخمة إذا كان بيته بالإيجار لأن الناس ستشبعه نقدا واستفسارا.

في زمن قاس كزمننا، تتسارع فيه الدنيا، ويشتد فيه الضغط النفسي، آخر ما نحتاج إليه هو الضغط الاجتماعي الذي يأسرنا ويتحكم في كل شيء نفعله.

لعل هذا أجمل ما في الحياة في الغرب، تلبس ما تريد وكيفما تريد وتتصرف كما تريد شريطة ألا يؤذي سلوكك أحدا والباقي عليك.

نحن بحاجة لفرصة تسامح نمنحها لبعضنا، نحتاج أن نرفض الضغط الاجتماعي، عندما تسمع أحدا ينتقد السلوك الفردي الشخصي لأحد فعليك أن تزجره ولا تتجاوب معه وتذكره بأن كل إنسان حر فيما يفعله، وعندما تفعل ذلك فأنت تساهم في منح الحرية للآخرين وتساهم في تقليل القيود التي وضعها المجتمع العربي على أفراده لسنين طويلة.

ساهموا في حملة الإنقاذ من السجن الاجتماعي الكبير!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية