لم تكن الحملة الإعلامية الأخيرة التي شنتها المؤسسات الإسلامية والعربية ضد فيلم «الحصار»، والذي ربما سيكون الأسوأ من نوعه على الإطلاق في تشويهه واستهدافه للجالية الإسلامية والعربية في أمريكا وللعرب والمسلمين في العالم، بشئ جديد على هذه المؤسسات.
هذه المعركة بدأت مع إنشاء هذه المؤسسات ويبدو أن شيئا في القريب العاجل لن يضع حدا لها مادامت هذه المؤسسات حتى الآن غير قادرة على دخول اللعبة بأصولها كما دخلها اليهود والإيطاليون والبوذيون والأمريكيون اللاتينيون والآسيويون من قبل لكونها تتطلب ضخ كمية كبيرة من الأموال لا تملك كل المؤسسات الإسلامية والعربية في أمريكا مجتمعة _ ناهيك عن كونها متفرقة _ ما يمكن أن يقوم بهذا الدور بحيث يتم التأثير على صناعة الإنتاج السينمائي في أمريكا في الاتجاه الإىجابي.
وتروي قصة فيلم «الحصار» الجديد الذي تنتجه مؤسسة 20th Century Fox الشهيرة، وهي واحدة من أكبر مؤسسات الإنتاج السينمائي في العالم، ويصور حاليا في منطقة بروكلين بمدينة نيويورك، حملة تفجيرات يرعاها أفراد الجالية الإسلامية في أمريكا وتنطلق من المساجد لتحدث تفجيرات ضخمة في المدن الأمريكية الكبرى بشكل يحدث فوضى ضخمة في أمريكا، مما يضطر الجيش الأمريكي ليعلن قانونا للطوارئ اسمه «قانون الدفاع عن النفس»، والذي كان قد استخدم ضد اليابانيين في أمريكا إبان الحرب العالمية الثانية.
ينطلق أفراد الجيش الأمريكي طبقا لهذا القانون ليقبضوا على كل مسلم وعربي مقيم في أمريكا ليوضعوا في معسكرات ضخمة يحاصرون فيها بحيث يمنع أي مسلم أو عربي من الخروج من هذه المعسكرات.
الفيلم يركز على شخصية أمريكية من أصل عربي يعمل في جهاز التحقيق الفدرالي FBI، والذي يتنازعه شعوره بالولاء لأمريكا وشعوره بالغضب الشديد لكون كل الجالية العربية ستوضع في مخيمات مغلقة.
حسب ما ذكرته جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فالفيلم يحتوي على حوالي دقيقة ونصف من مشاهد التفجيرات التي تظهر في نفس الوقت كخلفية لمشهد مسلمين يصلون في أحد مساجد نيويورك.
بعض لقطات هذا المشهد مستعملة في الإعلان الذي سيبث عن الفيلم في معظم المحطات التلفزيونية الأمريكية.
والفيلم الذي سيبدأ عرضه في شهر نوفمبر القادم من بطولة بروس ويليس، ودينزيل واشنطن، وهم من نجوم السينما الأمريكية المعروفين، الأمر الذي سيؤدي لاجتذاب جمهور واسع للفيلم، بخلاف كثير من الأفلام السينمائية الأمريكية المعادية للمسلمين في السابق والتي مثل أدوار البطولة فيها ممثلين مغمورين.
نهاد عوض، رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية CAIR، تساءل في مؤتمر صحفي عقد بهذه المناسبة أمام مبنى مؤسسة 20th Century Fox في لوس أنجلوس، فيما إذا كانت المؤسسة تملك أجندة سياسية معينة في مواجهة الجالية المسلمة ولـ«أمركة» الصراع الدائر في الشرق الأوسط، مشيرا إلى إنتاج المؤسسة نفسها لفيلم «كذبات حقيقية» في عام 1994 والذي شنت CAIR، حينها حملة ضد الفيلم لما يشير فيه الفيلم إلى المسلمين والعرب كخطر يهدد المجتمع الأمريكي.
المعروف أن اليهودي الأسترالي الشهير روبرت مردوخ، والذي يملك أضخم امبراطورية إعلامية في العالم حيث تضم امبراطوريته عددا من أشهر الوسائل الإعلامية في مختلف دول العالم وخاصة أمريكا وبريطانيا واستراليا ودول أوروبية أخرى، هو مالك شركة 20th Century Fox، وهي حاليا تقف على القمة في تنافس مع شركة إنتاج Disney، على السيطرة على سوق الإنتاج السينمائي في العالم، وإن كانت FOX، قد حققت ضربة قاصمة لصالحها بإنتاجها لفيلم «تيتانيك»، والذي يعتبر الأكثر تكلفة في تاريخ الإنتاج السينمائي “حوالي 300 مليون دولار” والأكثر أرباحا كذلك في تاريخ السينما في العالم.
«المعارك» ضد هذا النوع من الأفلام لا يتوقف عند إنتاج الفيلم، بل يستمر عندما تعلن واحدة من المحطات التلفزيونية الأساسية في أمريكا عن بثها للفيلم المسئ للمسلمين، هنا تزداد المشكلة عمقا لأن نسبة مشاهدي التلفاز في أمريكا أكثر بكثير من مرتادي دور السينما التي يعرض فيها الفيلم.
عادة؛ حين تعلن أحد المحطات واسعة الانتشار عن عرضها لفيلم من هذا النوع يحتج أفراد الجالية الإسلامية في أمريكا من خلال الفاكس والهاتف والبريد الإلكتروني، لكن في أي مرة من المرات الكثيرة التي حصل فيها هذا لم يسفر ذلك عن إيقاف عرض الفيلم.
ذلك ببساطة لأن المؤثر في قرارات الشبكات التلفزيونية هو المعلن وليس المشاهد، ولأن المسلمين في أمريكا اهتموا بالحصول على الشهادات العليا بدلا من الاهتمام بتكوين شركات تجارية ضخمة كما فعلت جاليات كثيرة أخرى في أمريكا، فإن نسبة المعلنين من المسلمين والعرب كأصحاب شركات نسبة ضئيلة جدا إن لم تكن معدومة تماما.
آخر معركة من هذا النوع كانت ضد بث قناة IBS الأمريكية، الأوسع انتشارا في أمريكا، لفيلم «قرار تنفيذي» الأسبوع الماضي.
الفيلم الذي أنتجته مؤسسة Warner Bros، إحدى أكبر وأقدم مؤسسات الإنتاج، يروى قصة طائرة 747 يختطفها إرهابيون عرب بهدف استعمالها لتدمير العاصمة الأمريكية واشنطن من خلال قنابل غاز الخردل.
في الفيلم يبدو الإرهابيين وكأن القرآن الكريم والإسلام يأمرهم بهذا الفعل، حيث يظهر هؤلاء في الفيلم يصلون قبل العملية ويقومون بالعملية والقرآن في أيديهم.
بالطبع يأتي أحد الأبطال على الطائرة مع مجموعة معه ليحرروا ركاب الطائرة ويقتلوا هؤلاء الإرهابيين لتنتهي العملية بسلام.
شركة Disney الأمريكية، لها أيضا سجل ضخم من الحرب التشويهية المستمرة ضد العرب والمسلمين.
واحد من آخر الأفلام التي صدرت عن Disney، وتحمل نسبة كبيرة من هذا التشويه هو «جي أي جين» والذي يقدم صورة شديدة السلبية للعرب، حيث يقحم الفيلم بشكل مبالغ فيه وممجوج وكثير التكرار أعداء عرب تقتلهم الممثلة الأمريكية المعروفة ديمي مور، مع صديقها الضابط في البحرية، وذلك لتثبت أنها مؤهلة ليتم تعيينها رسميا في البحرية.
وكالعادة فهؤلاء العرب شديدو الغباء والعدوانية، والعالم يبدو بالتأكيد أفضل بالتخلص منهم تماما.
الفيلم أثار استياء كبيرا في أوساط الجالية العربية والمسلمة، كما أصدرت اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية بيانا صحفيا مستنكرا صدور الفيلم، وذكر البيان أن Disney، يبدو أنها تعيش «حربا مقدسة» ضد العرب والمسلمين.
وكانت Disney، قد أصدرت قبلها بشهر فيلما آخر بعنوان «نسر العمليات» يقضي فيه بطل الفيلم الآسيوي الأمريكي جاكي شان، نصف وقت الفيلم في قتل عرب ومسلمين أغبياء جدا وعدوانيين في صحراء شمال أفريقيا يريدون الدفاع عن كنز أخفاه النازيون في الحرب العالمية الأولى، وكلف بطل الفيلم باستخراج الكنز، إلا أن العرب الأعداء غير الشرفاء يحاولون عبثا منعه من ذلك، وعقابهم كان القتل على بكرة أبيهم، وواضح هنا محاولة الربط بين العرب والنازيين بشكل غير مباشر.
والفيلم نسخة مطورة من فيلم «درع الله» رقم 2 الصادر عام 1991، كما يظهر في الفيلم مشاهد لهؤلاء العرب وهو يقومون بالصلاة لإعطاء صفة الإرهابيين لهم.
ومن مشاهد هذا الفيلم الاستفزازية مشاهد لشخصين عربيين غبيين، في مشهد في أوائل الفيلم يبدو الإثنان يطلبان خريطة لكنز الذهب من البطلة الشقراء، لينتهي بهما الأمر مقيدين على يد جاكي شان، ثم ليصرخا بعد ذلك «نحن لن نتوقف أبدا عن الصراع من أجل المعركة المقدسة»، وهم أيضا يسميان أنفسهما «جنود الدين»، لكنهم يحاولون الانتحار ويفشلون.
أخطاء غبية أخرى يرتكبها هذان العربيان أثناء الفيلم مثل تعثر وسقوط كل منهما بسبب الآخر، السقوط من شرفة، الصراع فيما بينهم على الماء في الصحراء، كل هذا وهم يستعملون كلمة «الله» بشكل متواصل.
في مشهد آخر يظهر عربي بخيل عاشق للمال يدير فندقا صغيرا، هذا العربي يطلب من ضيوفه ثمن الشوكلاته التي يوزعها عليهم، عندما يطلب جاكي شان، ومجموعته، طعاما ويغادرون قبل أكله، يقوم هذا العربي بطاقيته الحمراء العربية بإرسال الطعام لطاولة أخرى، كما يعرض على جاكي شان، بندقية، لكنه لا يعطيهم حتى يدفعوا، «لا مال، لا طلقات».
اللجنة من خلال فروعها في أنحاء الولايات المتحدة أقامت عدة مظاهرات مع الافتتاح الرسمي للفيلم، كما قام فرع نيويورك بمظاهرة أمام أحد دور السينما الرئيسية بنيويورك حيث تم العرض الأول للفيلم، كما حثت اللجنة العرب الأمريكيين على إرسال رسائل استنكار لـDisney.
مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية CAIR، حث المسلمين على الاتصال بمحرري الصفحات الفنية في الصحف والمجلات المحلية للفت أنظارهم لما في الفيلم من توجهات عنصرية معادية للعرب والمسلمين.
ويرى الكثير من المسلمين في أمريكا أن المظاهرات بالذات كأسلوب لإظهار الاستنكار غير مرغوب على أساس أنه في الحقيقة يزيد من شيوع الفيلم ويزيد من إقبال الناس عليه، وهناك عدة حوادث سابقة تؤكد ذلك.
«طريق إلى الجنة»، فيلم آخر أثار ضجة أكبر وخرج للنور قبل قليل من «نسر العمليات».
وتناول الفيلم تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك، حيث أسقط مثل هذا التفجير كأمر يعتبره المسلمون جمعيهم «جهادا» وطريقا للجنة.
الفيلم احتوى على العديد من العبادات الإسلامية، مثل الصلاة والآيات القرآنية التي يرددها المفجرون، ويظهر الفيلم كلمات مضادة لأمريكا والغرب على أنها «قصيدة إسلامية»، ولم ينج حتى عماد سالم، عميل المخابرات الفدرالية الأمريكية الذي أظهره الفيلم كرجل يحتقر النساء شأنه شأن أي عربي!!
كما يحتوي الفيلم على العديد من الشتائم القذرة بحق المسلمين بواسطة رجال المخابرات الفدرالية، والفيلم يحمل رسالة واضحة أن كل المسلمين يكرهون أمريكا، ومازال الكثير متوقعا منهم في المستقبل القريب.
وأخذت الحملة ضد هذا الفيلم شكلا جديدا تمثل في مطالبة عدد كبير من المؤسسات الإسلامية المسلمين بإلغاء اشتراكهم التجاري مع قناة HBO، والتي قامت بعرض الفيلم في البداية، وإرسال خطابات استنكار للقناة، وتزعم الحملة المجلس الإسلامي الأمريكي، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، ومجلس الشورى الإسلامي بجنوب كاليفورنيا، ومجلس الشئون العامة للمسلمين، ومجلة المنارة، ومجلة «باكستان لنك».
وكان المجلس الإسلامي الأمريكي، واللجنة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية، قد بذلوا جهودا مع متنجي الفيلم قبل إنتاجه النهائي لضمان عدم إساءته للمسلمين بشكل عام ، ووعد المنتجون بذلك إلا أن شيئا لم يحصل.
بعض الكتاب الصحفيين الأمريكيين أحسوا بمثل هذه المشكلة، وكانت لهم تعليقات موضوعية.
هوارد روسينبرج، الكاتب بجريدة لوس أنجلوس تايمز، قال في تعليقه «لسوء الحظ فإن عملهم، طريق إلى الجنة، يذكرنا بطريقة برامج الفضائح التلفزيونية التي تضخم صدى الغرف المغلقة، إنها ليست النغمة التي تنتظرها من فيلم توثيقي، فالفيلم لم يحدد المفجرين كمجموعة متطرفة من مجموعة متطرفة من مجموعة متطرفة، بل يلقي إيحاءات واسعة بمجموع مشاهده على كل العرب مقدما عنهم صورة قبيحة كأناس همجيين ومتخلفين»، واعترض الكاتب على الإيحاء كما لو أن «الله أمر بتفجير مركز التجارة العالمي شخصيا»، وذلك من خلال وضع الصلوات الإسلامية في الخلفية.
وقس على هذه الأفلام العديد من الأفلام الأخرى الصادرة عن Disney، مثل «كزام»، و«والد العروس 2»، و«في الجيش الآن»، حيث يشجع البطل القوات الجوية على إحراق العرب في الصحراء وإفناءهم.
وقد حاولت اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية الإلتقاء بممثلين من Disney، عدة مرات، إلا أن النتيجة كانت دائما الرفض الكامل.
وكانت Disney، قد قدمت وعدا بعد حملة للمؤسسات العربية الإسلامية عقب صدور فيلم «علاء الدين»، بالرجوع للجنة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية واستشارتها في أفلامها، إلا أن هذا كان حبرا على ورق.
د. هالة مقصود، رئيس اللجنة العربية الأمريكية، قالت في تعليقها أن «عندما يكون العرب فقط على الشاشة الفضية يمثلون دور الأشرار، فإن موقفا لابد أن يتخذ من العواطف المعادية للعرب في مجتمعنا، وإن مشاركة شركة رائدة في مجال ترفيه الأسرة مثل Disney، في بناء الصور الذهنية المشوهة عن العرب أمر ينذر بالخطر».
د. جاك شاهين، أستاذ الاتصال الجماهيري بجامعة جنوب إلينوي، علق في كتابه الذي صدر حديثا: «الصورة الذهنية للعرب والمسلمين في الثقافة الأمريكية الشائعة»، على ظاهرة الأفلام السينمائية المسيئة للعرب والمسلمين بأن هناك خطر كامن عن تجمع أثر مثل هذه الأفلام التي لا تجد ما يقابلها ويوازن أثرها.
هذه الأفلام تقدم صورة العرب المسلمين بشكل موازي لما كانت الأفلام النازية تفعله في حق اليهود: «شعث الشعر، عاشقين للمال يريدون السيطرة على العالم، ويعبدون إلها مختلفا، يحبون قتل الأبرياء ويركضون خلف العذارى الشقراوات»، وقد تأتي الأفلام الأمريكية بنتائج سلبية في حق المسلمين، كمثل النتائج السلبية التي نتجت عن الأفلام النازية بحق اليهود.
من جهة أخرى تقوم عشرات الجمعيات المسيحية حاليا بحملة ضخمة لتشجيع الشعب الأمريكي على مقاطعة منتجات Disney، وذلك لكون Disney، إحدى أبرز المؤسسات الأمريكية في تشجيع الشذوذ الجنسي، وفي هدم القيم الأسرية من خلال إنتاجها الإعلامي والمكثف، إلا أن هذه الحملة لم تؤت ثمارا تذكر حتى الآن.
ويجدر بالذكر أن Disney، بدأت منذ أشهر ببث قناتها التلفزيونية المشفرة التي تعرض أفلامها على مدار الـ24 ساعة في العالم العربي.
ويستغل مكتب القناة التلفزيونية _ على ما يبدو _ جهل المسلمين والعرب بدور Disney، كأكبر منتج إعلامي مسئول عن الصورة الذهنية السلبية المشوهة للمسلمين والعرب في الإعلام الأمريكي على الإطلاق.
عدد من الشركات الأخرى في العالم العربي تم افتتاحها على يد Warner Bros، و20th Century Fox، وقناة Show Time، والمعروفة بعرضها المستمر لكل هذه الأفلام وبحملتها الرهيبة التي شنتها على المسلمين بعرض هذه الأفلام دفعة واحدة عندما بثت قناة CNN، تغطية إعلامية لأحداث حج العام الماضي، وهذه الشركات لا تمثل فقط وكالات تزيد من أرباحها التجارية في العالم العربي الذي تعيش على تشويهه، بل أىضا هو وكالات غزو ثقافي من خلال نقلها لعناصر سلبية مخالفة للإسلام تنتمي للثقافة الأمريكية بصورة محببة خاصة لجمهور الأطفال والمراهقين.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية