في عام 2008، استخدمت حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشبكات الاجتماعية بشكل أذهل المتابعين، وقال كثيرون بأن هذا الاستخدام كان السبب الرئيسي في نصره الساحق، واعتبر البعض هذه الحملة نقطة انطلاق استخدام الشبكات الاجتماعية في تنظيم الحملات الدعائية بأنواعها.
وفي كل الأحوال، فإن الأمر لم يكن مستغربا جدا لأن انتخابات 2008 كانت الأولى في أمريكا بعد ثورة الشبكات الاجتماعية.
أوباما يبدو أنه سيكتب التاريخ من جديد، من خلال نقلة نوعية أخرى في استخدام الشبكات الاجتماعية بشكل لا مثيل له في السابق، وبشكل يعتقد المراقبون أنه سيعطي أوباما دفعة خاصة في مواجهة منافسه في الانتخابات.
وإذا كان سيناريو 2008 قد شجع الحملات السياسية على استخدام الشبكات الاجتماعية، ورأينا نجاح ذلك في أحداث الربيع العربي في مصر، فإنني لا أستبعد أن تترك حملة 2012 آثارا ضخمة في استخدام الشبكات الاجتماعية في تنظيم الجهود الإنسانية من خلال مركز افتراضي موحد مهما كان عدد المشاركين في هذه الجهود.
ما تفعله حملة أوباما هو إطلاقها لنظام اسمه داشبورد “Dashboard” من خلال موقع barackobama.com، والذي سيتم من خلاله تنظيم كل جهود المتطوعين الذين يريدون العمل لصالح حملة أوباما من خلال نظام واحد يدار عبر غرفة العمليات الانتخابية التابعة لحملة أوباما في كل ولاية.
النظام يسمح للمتطوع في الحملة الانتخابية بالتواصل مع مجموعته التي يعمل معها، وبالتواصل مع مركز العمليات الانتخابية، وبتقديم معلومات أولا بأول عن جهوده ونتائجها مع تلقي نصائح ومعلومات عن مختلف المشكلات التي يواجهها.
لتخيل حجم الموضوع، بلغ عدد المتطوعين الذين عملوا بجهود متفاوتة في حملة أوباما 2008 حوالي ثمانية ملايين شخص كما ورد على موقع أوباما.
هذا الرقم الضخم من الناس ليس مستغربا لمن يعرف كيف تتم الجهود الانتخابية في أمريكا، حيث يتبرع الكثير من أعضاء الحزب بحمل اللافتات والمنشورات والطواف بها على البيوت وأماكن العمل، وتحريض الناس بكل ما يملكون من حماس لانتخاب الرئيس المرشح من أجل إنقاذ أمريكا وتقديم مستقبل أفضل لها.
هذه الجهود التطوعية الضخمة تعاني عادة من من ثلاث مشاكل رئيسية:
- صعوبة تنسيق العدد الضخم من الناس.
- صعوبة تشجيع الناس على الاستمرار في جهودهم.
- وصعوبة مساعدة المتطوعين على الإجابة على الأسئلة التي تأتيهم من الناس.
هذا النظام حل من خلال شبكة اجتماعية مبسطة كل المشاكل الثلاثة دفعة واحدة، فالمتطوعين مرتبطين جميعا بنظام موحد، وهم يستطيعون التواصل من خلاله أيا كانوا مباشرة بمركز العمليات في الولاية للحصول على أي معلومات، وأخيرا فإن ارتباط الشخص بهذا النظام وشعوره أن جهده هو جزء من جهد مجموعة يتواصل معها سيكون له أثر السحر في تشجيع المتطوعين على العطاء والبذل إلى آخر لحظة في ليلة الانتخابات.
بدأ تطبيق النظام الأسبوع الماضي، بعد أكثر من عامين من الجهد لمئات الأشخاص الذين صمموا النظام وبرمجوه، والنتائج حتى الآن تعتبر مذهلة، وهذا الذي جعل قائد الحملة الانتخابية يقول بأنه رغم كل ما قيل عن حملة 2008 الانتخابية سنجعلها تبدو وكأنها لا شيء مقارنة بـ2012.
رغم أن حملة رومني 2012 تعتبر أكبر بكثير من حملة مكين 2008 في عدد الأشخاص على الأرض، إلان أن حملة أوباما تتجاوز رومني بكثير منذ إطلاق النظام، فإذا كان رومني لديه 30 مكتب وفريق في ولاية مثل أوهايو، فإن حملة أوباما تجاوز عدد مكاتبها وفرقها 100 مكتب.
النظام الآخر الذي أطلقته حملة أوباما ويكمل حلقة الإبهار الرقمي هو نظام مربوط بموقع “فيسبوك” ومخصص للأشخاص الذين سيصوتون لأوباما، بحيث يكون هناك نظام متكامل لأكثر من مائة مليون شخص يمكن التواصل معهم بشكل جماعي دفعة واحدة، وهو أمر أيضا غير مسبوق في تاريخ التكنولوجيا الرقمية.
كل هذا سيساهم في إعطاء أوباما فرصة مميزة في انتخابات صعبة جدا بين الأقلية الديمقراطية في أمريكا وبين الأغلبية الجمهورية.
في عام 1998، حصلت على الماجستير برسالة عن استخدام الإنترنت في حملة الكونجرس الانتخابية الأمريكية لعام 1996، كانت الأمور في البدايات، ولكن كان هناك أحلام ضخمة لدى الباحثين والمتخصصين في هذا المجال.
واليوم أستطيع القول بكل ثقة أن ما تفعله حملة أوباما بعد 14 عاما من ذلك التاريخ يتجاوز كل تلك الأحلام ويصل إلى مرحلة ستغير وجه الانتخابات السياسية إلى الأبد.
أظن أن العالم الرقمي وأوباما قد تحالفا بحيث ينتصر كل واحد منهما للآخر في نوفمبر القادم !