الفيديوهات القصيرة التي تنشر على موقع “يوتيوب” ويتداولها الناس على مختلف الشبكات الاجتماعية والمواقع والموبايل هي المستقبل، وخاصة إذا تم تنفيذها بجودة عالية من حيث المحتوى والاحتراف والإنتاج، بل إن هذه الفيديوهات قد تمثل في الحقيقة مستقبل التلفزيون القريب.
هذا هو ملخص مقالي الأسبوع الماضي والتي ذكرت فيها عددا من الأمثلة العالمية والمحلية لإنتاج مميز لا يختلف عن الإنتاج التلفزيوني إلا بكونه فيديو قصير يصلح لموقع “يوتيوب”، بالإضافة لكونه عادة يحمل روحا من الإبداع والجاذبية والحيوية تجعل الإقبال عليه كبيرا.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن حول هذا النوع الجديد من الإنتاج الإعلامي هو التمويل ومصادر الدخل التي تسمح بإيجاد ميزانيات كافية لمثل هذا الإنتاج، وهو سؤال هام أيضا لأنه يحدد بالفعل إمكانية نمو هذا النوع من الإنتاج في المستقبل.
ربما لا يخفى على الكثيرين أن ما يسمى بالنموذج التجاري (Business Model) يكاد يكون العامل الأكثر أهمية في دراسة جدوى أي فكرة جديدة، وخاصة الأفكار ذات العلاقة بالإعلام الرقمي، والنموذج التجاري – كما هو معروف – هو مصادر الدخل المحتملة التي يتم تأسيسها ضمن الفكرة وتكون متناسبة مع قواعد السوق بشكل عام.
موقع “يوتيوب” أدرك منذ البداية أهمية هذه القضية، وأنه ما لم يعالج هذه المشكلة فإن إنتاج الفيديو القصير لن ينمو، ولن يحظى الموقع بمحتوى جذاب ومميز، ولذلك أسس الموقع لنموذج يحصل فيه صاحب الفيديو على نسبة جيدة من دخل الإعلانات التي تنشر على صفحة صاحب الفيديو – بما فهيا إعلانات “جوجل” -، أو من دخل الإعلانات المرئية التي يتم بثها قبل مشاهدة الفيديو.
هذا المصدر من الدخل ليس بالسهل ويحقق عادة للصفحات الناجحة ما لا يقل عن ألفي دولار شهريا إلى ما قد يصل في بعض الدول كأمريكا إلى مائة ألف دولار.
ولكن مشكلة هذا الأسلوب من التمويل أن دخله يأتي بعد إنتاج الفيديو، وفيه نسبة عالية من المخاطرة ويتطلب عقدا مع “يوتيوب”، ولذلك ظهر نوع جديد من أساليب التمويل الإعلاني والتي لاقت هوى كبيرا في السنتين الأخيرتين لدى المعلنين في أنحاء العالم، وصارت أيضا حديثا متداولا في أوساط الوكالات الإعلانية في العالم العربي.
لقد وجد المعلنون بما لا يدع مجالا للتردد أن الفيديو الناجح على “يوتيوب” والذي يحقق مشاهدات تزيد عن مليون مشاهدة، ثم يتداوله الجمهور على مختلف أنحاء شبكة الإنترنت والمواقع الاجتماعية مثل “فيس بوك”، يمثل وسيلة إعلانية عظيمة التأثير على عدة مستويات.
لهذا كله، ظهر ما يسمى بالفيديو الإعلاني (Branded Video) أو الفيديو سريع التداول ( Viral Video)، وهي نماذج من الفيديوهات القصيرة الجذابة والتي تبدو وكأنها إنتاج شخصي، ولكنها في الحقيقة إنتاج ممول من المعلن والذي يظهر بشكل واضح ومباشر في الفيديو الإعلاني أو بشكل غير مباشر، في الفيديو سريع التداول.
المشكلة الأساسية في هذه الفيديوهات أن الفكرة يجب أن تكون قوية في إبداعها وسحرها، وذلك لأن منفذ الإعلان لن يستطيع خداع المعلن، ومدير التسويق لن يستطيع خداع مدير الشركة، فالأرقام على “يوتيوب” لا يمكن التحكم فيها وهي تفضح بسرعة الناجح من الفاشل.
أيضا من جهة أخرى، لا يمكنك ضخ ميزانيات الإعلان لبثها على كل قناة كما يحصل في حالة الإعلان التلفزيوني الكلاسيكي، وهذا التحدي قلل من سرعة نمو هذه الفيديوهات بالرغم من تأثيرها الكبير، وأظهر للضوء نوع جديد من وكالات الإعلان الرقمي التي تركز على الأفكار الجديدة في هذا المجال، وتستطيع إقناع المعلنين بأخذ المغامرة.
في الأسبوع الماضي كانت الصحف الأمريكية تتحدث عن إعلان على “يوتيوب” اسمه “how to hack video screens on times square” والذي يبدو فيه شخص يحكي كيفية اختراق شاشات الفيديو في الطرق العامة ووضع ما تريد عليها، ويقول بأنه استطاع أن يحصل للفكرة بسبب أخذه حبة NZT والتي تجعله رجل لا حدود له “Limitless“.
رغم أن الفيديو يبدو مقنعا فهو في الحقيقة مزيف، والمعلومات غير صحيحة، ولكن ما هو صحيح أن هناك فيلما سينمائيا سيظهر قريبا حول هذه الحبة تحت اسم Limitless، وهذا الفيديو مجرد إعلان للفيلم، وقد حقق الفيديو أكثر من مليون ونصف زيارة خلال 4 أيام فقط، وتم تداوله بشكل واسع على الإنترنت.
هناك مئات النماذج الناجحة لمثل هذه الفيديوهات، ولكن العامل المشترك للنجاح هو الإبداع فقط.
هل ينقص “الشباب الجديد” الإبداع في فهم “الإعلام الجديد” ؟ أبدا، ولذا أتوقع لهذا النوع من الإعلان النمو والنجاح، وأتوقع للشباب الجديد أن ينافسوا وكالات الإعلانات الكلاسيكية، وأتوقع أن يكون هذا أيضا عامل من عوامل تحديد مستقبل الإعلام والتلفزيون.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية