كان موقف الأوساط الأمريكية بشكل عام مؤيدا للضربات الجوية التي شنها الجيش الأمريكي على مواقع في السودان وأفغانستان يعتقد أنها مراكز لأسامة بن لادن، والذي تؤكد الحكومة الأمريكية أن لديها أدلة قوية على تورطه في عملية تفجير السفارتين الأمريكتين بكينيا وتنزانيا.
الاستفتاءات العامة التي عقدها مركز «جالوب»، بالتعاون مع محطة CNN الأمريكية، تشير أن حوالي 66% من مجموع المستجوبين الذين بلغ عددهم 628 شخصا، أيدوا الهجوم، بينما عارضه 19% فقط من المشاركين في الاستفتاء.
استفتاء آخر أجري يوم الأحد الماضي بعد الحملة الإعلامية الواسعة التي شنها الإعلام الأمريكي لصالح هذه الهجمات، ارتفعت فيه نسبة المؤيدين للضربات الجوية إلى حوالي 78%، بينما أيد 54% إرسال جنود على الأرض لشن حرب على القواعد الإرهابية.
معظم أعضاء الكونجرس الأمريكي أيضا، الديمقراطيين والجمهوريين، عبروا عن دعمهم المطلق لهذه الهجمات على أساس أن الإرهاب هو الخطر الأكبر الذي تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية ولابد من محاربته مهما كلف الأمر.
عدد قليل فقط من أعضاء الكونجرس أعلن عن استيائه من توقيت العملية وكونه جاء مباشرة بعد الخطاب الذي اعتذر فيه الرئيس بيل كلينتون، عن عدم قوله الحقيقة حول علاقته بالمتدربة السابقة في البيت الأبيض الأمريكي، مونيكا لوينسكي، ونمو حملة سياسية ضخمة ضد كلينتون، حيث طالبه عدد من الشخصيات السياسية بالاستقالة.
وهذا الاستياء يمثل اعتقاد حوالي 20% من المشاركين في استفتاء عام آخر قالوا فيه، أن هذه العمليات كانت لسحب الأضواء الإعلامية والسياسية من قضية كلينتون، إلى قضية أخرى، ويرى عدة محللون أن ارتفاع هذه النسبة جاء بعد ظهور فيلم سينمائي هذا العام تتحدث قصته عن الرئيس الأمريكي الذي يهاجم دولة أخرى للهرب من فضيحة إعلامية تواجهه.
هناك أيضا بعض أصوات معارضة هنا وهناك ظهرت من خلال بعض المظاهرات الصغيرة في العاصمة الأمريكية واشنطن وفي نيويورك وشيكاغو، ومعظم المشاركين في هذه المظاهرات من العرب والمسلمين أو من الجماعات التي تقف في وجه الحرب بشكل عام وترى أن السلام يجب أن يسود العالم، أو أفراد عرفوا بتظاهرهم ضد أي عمليات تتدخل فيها الـCIA، مما يعني أن هذه المظاهرات لم تخرج بالتحديد من أشخاص اعترضوا على هذه الهجمات وحدها.
هذا التأييد الواسع في الشارع الأمريكي يأتي كثمرة تقطفها مؤسسات الحكومة الأمريكية بعد حملة إعلامية وسياسية واسعة خلال التسعينات ضد «الإرهاب الدولي»، المصطلح الذي بدأ يتردد في كل مكان بالتحديد بعد تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك، والذي سجن على إثره مجموعة من المسلمين الذي يعتقد أنهم نفذوا هذا التفجير.
عدد كبير من الأفلام السينمائية ظهرت وعدد آخر تحت الإعداد حاليا يركز على موضوع «الإرهاب الدولي»، وفي نسبة كبيرة من هذه الأفلام يظهر عرب أو مسلمون وكأنهم مدبرون لهذه العمليات الإرهابية.
بعض المحللين يعتقد أن «الإرهاب الدولي» هو عدو بديل للاتحاد السوفييتي الذي تعود الإعلام الأمريكي على مدى عقود من الزمن على توجيه جهوده السلبية ضده، وخاصة أن هناك رأي سياسي ينمو تدريجيا يؤكد أن ما حدث للرئيس بيل كلينتون، من التركيز الإعلامي غير المسبوق على حياته الشخصية والفضيحة التي تلت هذا التركيز، جاءت بسبب وجود فراغ في حياة الشعب الأمريكي والذي كان مشغولا من قبل بالعدو الخارجي عن رؤساءه، لذلك لم تحصل أي فضائح على الإطلاق باستثناء فضيحة ريتشارد نيكسون، في الستينات الميلادية.
أدلة كثيرة كانت مثلا تشير لعلاقة جنسية بين الرئيس السابق جون كنيدي، وبين عدة نساء من حوله أبرزهن مارلين مونرو، ممثلة الإغراء الشهيرة التي قتلت أثناء حياة كنيدي في ظروف غامضة، إلا أن أحدا لم يفكر في التحقيق في القضية، لأن الإعلام الأمريكي كان مشغولا بالكثير من القضايا داخلية كالعلاقة بين البيض والسود، والخارجية وخاصة الحرب بين أمريكا وكوبا ومن خلفها الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت.
عدم وجود العدو الخارجي جعل من الصعب أيضا تمرير الميزانيات الضخمة للجيش الأمريكي وإدارة المخابرات الأمريكية وشرطة التحقيق الفدرالية أمام الناس والكونجرس الأمريكي، لذا فإن التركيز على العدو الخارجي يمثل بديلا سياسيا يرى الكثيرون التركيز عليه في المرحلة المقبلة، ويبدو أن البديل المرشح هو «الإرهاب الدولي».
والحرب مع الإرهاب الدولي تبدو للجميع معقدة، فشبكات الإرهاب في كل أنحاء العالم ليس لها مراكز واضحة ولا أهداف استراتيجية يمكن حمايتها ولا أفكار مفهومة يمكن التفاوض حولها.
هذه التعقيدات تجعل بعض أعضاء الكونجرس والشخصيات السياسية تطالب بعدم شن هجمات جوية قد يذهب فيها أبرياء وتسيء للعلاقة بين أمريكا وغيرها من الدول بل بالتركيز على رؤساء هذه الشبكات، كأسامة بن لادن، ومصادرهم المالية، ومحاولة القبض على هؤلاء الأشخاص فعليا ومحاكمتهم في أمريكا وخاصة أن القوانين الجديدة تجعل الإعدام حكما متاحا ضد الإرهابيين.
البعض أيضا عبر عن مخاوفه من هجمات انتقامية ضد الولايات المتحدة حول العالم، ولكن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أكثر من مرة إدراكهم لذلك تماما.
من جهة أخرى، وجه المجلس الإسلامي الأمريكي، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وعدة مؤسسات إسلامية أخرى، بيانات وزعت على نطاق واسع في أوساط الجالية المسلمة وعلى مختلف وسائل الإعلام الأمريكي تطالبهم فيها بعدم الربط بين دين الإسلام وبين الإرهاب الذي لا يقره الإسلام بأي حال من الأحوال.
وأكدت هذه البيانات أن مثل هذا الربط يسيء لجمهور المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدم هذا الطلب رسميا للرئيس كلينتون، قبل إلقائه لخطابه، مما جعله يحاول عكس ذلك في عدة عبارات في الخطاب الرسمي تبرئ الإسلام كديانة من هذه الجريمة، وإن كانت بعض المؤسسات الإسلامية قد طالبت الإدارة الأمريكية بتوضيح الأدلة التي اعتمدتها في ضرب هذه المواقع.
لكن الإعلام الأمريكي لم يلتزم بما التزم به الرئيس الأمريكي، ووزيرة الخارجية، مادلين أولبرايت، ومستشاره للأمن القومي، ساندي برجر، من تبرئة الإسلام والتأكيد على أن هؤلاء متطرفين لاينتمون لتعاليم الدين الإسلامي، حيث نشرت عدد من الصحف الأمريكية والكندية مقالات هاجمت الإسلام بشكل عنيف وجعلت كل المسلمين في خانة واحدة تحارب أمريكا والديمقراطية، مؤكدة أن العالم الإسلامي سيبقى معاديا لأمريكا ما لم يعتنق كل فرد منها الإسلام.
وسائل إعلامية أخرى كانت أكثر اعتدالا ولكنها ركزت بشكل واضح على المظاهرات التي خرجت في باكستان والسودان والمعادية لأمريكا والعبارات التي أطلقت وخطاب الرئيس السوداني بالدفاع عن الإسلام في وجه أمريكا، كما ركز غيرها على أحاديث مع أفراد الجالية المسلمة في المساجد على غضبهم الشديد من الهجمات وتركيز خطب الجمعة على ذلك في سياق يبدو أحيانا وكأن هؤلاء مؤيدين للفكر الإرهابي الذي تحاربه أمريكا.
قلة نادرة من وسائل الإعلام هاجمت الموقف، وواحدة منها هي News Room أو «غرفة الأخبار»، اشتدت في الهجوم، مؤكدة على أنه كان معدا لصرف الأنظار عن فضيحة الرئيس كلينتون، وأن هذا الهجوم غير قانوني على أساس القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان مختتمة مقالها بعبارة «اليوم هو يوم أسود في تاريخ البشرية».
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية