مواقع الشبكات الاجتماعية، وهي بالآلاف وفي مقدمتها موقعي “فيسبوك” و”تويتر”، يمكن أن تستخدم بشكل واسع من قبل الشركات والعلامات التجارية لخلق حالة من التفاعل المكثف مع الجمهور، وهو اتجاه بدأ يتحول إلى جزء أساسي من خطة العلاقات العامة والتسويق لمعظم الشركات الكبرى حول العالم.
في الحلقات الخمس الماضية من سلسلة المقالات التي أختتمها اليوم تحدثت عن هذا الاتجاه وتحدثت عن عدد من التجارب العالمية المميزة في هذا المجال.
ولو نظرت لتجربة شركة Starbucks الأمريكية، وهي التجربة التي اعتبرتها أحد الدراسات الأفضل في أمريكا في هذا المجال، فإن الشركة تميزت بأمر هام وهي أنها اعتبرت الإعلام الاجتماعي الوسيلة المثلى لسماع صوت الجمهور، ليس فقط للتفاعل معه، بل أيضا لاستخدامه كوسيلة إيجابية لإحداث تغيير مستمر في الشركة، وتم إعادة هيكلة إدارات الشركة على هذا الأساس، فالجمهور يخبر الشركة باستمرار عبر وسائل الإعلام الاجتماعي بالمنتجات التي يريد، وأسلوب الخدمة التي يريدها، ويساعد الشركة على إجابة أسئلتها الاستراتيجية مثل كيفية تحويل مقهى Starbucks إلى مكان للتسلية وقضاء وقت الفراغ بدلا من كونه مكان لشرب القهوة فقط.
هذه هي القيمة الحقيقية لاستخدام الشركات للإعلام الاجتماعي، فالإعلام الاجتماعي سمح لأول مرة للشركات والعلامات التجارية لفتح حوار متواصل مع الجمهور لمعرفة رأيه التفصيلي في كل صغيرة وكبيرة، وتأتي القيمة الحقيقية إذا استطاعت الشركة استخدام هذا الكم الهائل من المعلومات في إعادة صياغة الشركة نحو الأفضل في كل إدارة من إداراتها، ولم تقتصر فقط على التفاعل الشكلي مع الجمهور.
في الأسبوع الماضي كنت أقول أن الجمهور يحتاج لحافز للتفاعل المكثف مع الشركة، واليوم أقول أن أحد أهم هذه الحوافز على الإطلاق هو شعور الجمهور أنه يستطيع فعلا التأثير على الشركة وتحويل مسارها وتصحيح أخطائها الصغيرة أو حتى الاستراتيجية، لأن هذا يعطي الناس الشعور بأنهم جزء من الحكاية وليسوا مجرد مستهلكين لها.
بكل أسف كثير من الشركات العربية الكبرى لا تفهم بعد ثقافة التغيير المؤسساتي Organizational Change & Development، وتحتاج للكثير حتى تصبح جاهزة للتغيير والتطور المستمر، ويكون لديها ما يسمى بالبيئة التعليمية Learning Environment، أي القدرة على الاستفادة من كل درس جديد في تطوير المؤسسة.
الشركة التي ليس لديها هذه البيئة وهذا الاستعداد عليها بكل شك ألا تعلن بصوت عال أنها مستعدة للاستفادة من الإعلام الاجتماعي وأنها ستعطي الجمهور “التمكين” Customer Empowerment حتى يأتي الوقت المناسب لذلك.
حتى في تلك الحالة، يبقى الإعلام الاجتماعي الوسيلة الأمثل لـ”الاستماع”، أن تعرف ما يقوله الجمهور عنك، وماذا يريدون، ولذلك فإن الشركات التي تضع رقابة صارمة على صفحاتها على الإنترنت بحيث لا تسمح للجمهور أن يقولوا النقد السلبي مهما كان تحتاج لقنوات أخرى غير رسمية يقول فيها الجمهور ما يريدون حتى تعرف رد الفعل الحقيقي، وتستفيد من هذا الصدى الجماهيري.
طبعا في عالمنا العربي لدينا جماهير من نوعية خاصة، تعشق الشتائم والكلام السلبي حتى لو لم تؤمن به حقيقة، جماهير تجد في الإنترنت مكانا لتنفيس غضبها ومشاكلها في الحياة، فيتحول لإنسان شديد السلبية وكثير المبالغة بلا أي تحر للدقة أو الموضوعية حتى في التعبير عن نفسه، مادام يفعل ذلك وراء اسم مستعار، وهناك في كل مكان في العالم “أقليات غاضبة” لا يعجبها العجب.
هؤلاء سيستخدمون الإعلام الاجتماعي ليمارسوا هواياتهم الاحتجاجية، ولكن الشركة الذكية لا تسمح لهؤلاء بأن يخدعوها فتظن أنهم يتحدثون باسم الجماهير، كما لا تسمح لهم أن يستفزوها فتغير سياسة الانفتاح إلى سياسة الخوف لمجرد أن البعض يصرخ ويشتم ويغضب.
لدي تشبيه للمؤسسة التي “تعتنق” الإعلام الاجتماعي كوسيلة للتغير، حيث أشبهها بالفصيلة العسكرية، التي تقف كلها متحدة لخدمة الأهداف الاستراتيجية استعدادا للاشتباك، ولكنه اشتباك هذه المرة مع الجماهير، وليس لأخذ الرهائن بل حتى تحقق مهمة الشركة أيا كانت.
القائد العسكري يبحث عن المعلومات، يرسل جواسيسه لـ”يستمعون”، ويعين السفراء الذين يتحدثون مع الطرف الآخر، ويدعم الموالين له في أوساط الطرف الآخر، ويغير خطته كل يوم بناء على المعلومات الجديدة التي تصله حتى يحقق في النهاية أهدافه المرحلية، والتي تعني في النهاية النصر..!
لكاتب في مجال الإعلام الجديد مثلي، لا بد دائما من الحديث عن الإعلام الاجتماعي، ولكنني سعيت من هذه المقالات الست أن أعطي نبذة مختصرة عن هذا المجال الجديد والجميل كمقدمة لكل المهتمين به، وهي موجودة على موقع جريدة الاقتصادية على الإنترنت، مع الشكر لكل من قرأ وتابع وعلق وتفاعل.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية